لم نع ولم نستوعب نحن العرب حجم الكارثة التي حصلت في أرض الرافدين رغم مرور سنوات على العاصفة التي انتهت بطوفان لم تنته فصوله بعد وأعتقد أن الثقافة العربية لم تول احتلال العراق وتدميره وتشتيت أهله وتفتيت بنيته ما يستحق من اهتمام ربما لعجز فيها أو ربما لأن هول الصدمة أعماها عن التفكير والتحليل فبقي العراق ومأساته معلقة في سماء هذه الثقافة لا تكاد تستقر ولكن الدراما التلفزيونية السورية سوف تقترب مما حدث في رمضان القادم محاولة إعادة ما جرى في نيسان 2003 إلى الذاكرة العربية عبر عدد من الأعمال الدرامية التي سنقف عندها اليوم.
 
«هدوء نسبي» 

كتبه خالد خليفة وأخرجه التونسي شوقي الماجري ويشارك فيه نجوم سوريون وعرب أبرزهم: عابد فهد، نيللي كريم، نادين سلامة، قمر خلف، بيير داغر، إبراهيم الزجالي وسواهم. ومن خلال ثلاثين حلقة يتناول المسلسل الجهد الكبير الذي بذله الصحفيون والمراسلون العرب لنقل ما جرى في أرض العراق من مآس يندى لها جبين الإنسانية على يد الجيوش الغربية التي اخترقت (جمجمة العرب) بوحشية ليست غريبة عن (رعاة البقر) ومن لفّ لفهم من دول أوروبية تدّعي زوراً وبهتاناً أنها أمهات الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم ويحرك الأحداث شخصيتان هما (ناهد) وهي صحفية مصرية و(ناجي) وهو صحفي سوري يلتقيان في العراق لتغطية أحداث الحرب لمصلحة وكالات أنباء وفي بغداد تستيقظ قصة حب قديمة كانت تجمع ناهد وناجي ويحاول العمل تلمس آلام العراقيين، كما سيتم تناول ما ارتكبه الأميركان من تجاوزات فظيعة في السجون التي أقاموها بعد احتلال العراق. 
(هدوء نسبي) قصة حب وسط الدمار وتحت نيران الطائرات والدبابات، (هدوء نسبي) قصة وطن يتعذب تلهب سياط الأعداء ظهره، وسيعرض هذا العمل على عدة فضائيات عربية وقد تعاونت عدة جهات إنتاجية عربية في إنتاجه فالعرب الذين فشلوا في الوقوف مع العراق أثناء محنته وأزمته استطاعوا أن يتفقوا على إنتاج عمل عن خيبتهم الكبرى في بدايات القرن الحادي والعشرين.

«رجال الحسم» 
يحسب للمخرج نجدة أنزور إقدامه وتجرؤه دائماً على تقديم أعمال لم يسبق لغيره تقديمها ومنذ دخوله المشهد الدرامي السوري والرجل يبحث دائماً عما هو جديد ويقدمه للمشاهدين العرب ينجح أحياناً ويتعثر أحياناً ويفشل في أحايين أخرى وهذا ليس عيباً فالفن اجتهاد وتجريب وفي رمضان الذي بات على الأبواب يقدم أنزور التجربة الدرامية السورية في عالم الجاسوسية الغامض والمثير وهو مسلسل (رجال الحسم) للكاتب فايز بشير ويتناول هذا العمل الذي يعتبر من أضخم إنتاجات الدراما السورية في موسم 2009، ما جرى في 1967 وحجم الكارثة والهزيمة التي مازلنا نسدد فواتيرها حتى يومنا هذا من خلال قصة مدرّس جولاني يشارك في الحرب وحين تنتهي ويعود إلى قريته يجد أن والدته وشقيقه قد استشهدا وأن أخته قد أصيبت فيقرر الانتقام عبر تنفيذ عملية فدائية داخل الأراضي العربية المحتلة ولكنه يفشل في مسعاه وهنا تلمع في ذهنه فكرة الدخول إلى قلب (إسرائيل) وخاصة أنه يجيد اللغة العبرية ولتحقيق غايته يسافر إلى دولة أوروبية ليعمل في حانة ترتادها المافيا اليهودية حيث يتعرف على عميلة للموساد ويتقرب إليها على أساس أنه شاب يهودي وفي ذهنه استخدامها لكي تدخله إسرائيل وينجح في مسعاه وفي ختام الجزء الأول نرى هذا المدرّس الجولاني في مطار تل أبيب وفي الجزء الثاني الذي سيعرض في العام القادم رصد لتجربته في إسرائيل وعملية التجسس التي قام بها لمصلحة القوى الأمنية السورية. ويلعب النجم الشاب باسل خياط بطولة العمل ويشاركه البطولة عدد من الفنانين السوريين والعرب أبرزهم: منى واصف، أيمن رضا، مايا نصري، عبد الرحمن أبو القاسم، نجاح سفكوني، فايز قزق، ياسر المصري، نادين نجيم وسواهم. (رجال الحسم) إنتاج (الهاني) السورية وسيعرض على شاشة (أبو ظبي) الفضائية في رمضان.

«الدوامة»
هذا المسلسل (حكاية افتراضية) يتناول السنوات الأولى لاستقلال سورية (1949-1951) وهو من تأليف الكاتب الراحل ممدوح عدوان عن رواية (الضغينة والهوى) للكاتب فواز حداد وإخراج المثنى صبح الذي أكد في عدة مناسبات أن عمله محاولة جادة لدراسة البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية للمجتمع السوري في تلك السنوات وهو محاولة لتلمس بدء المحاولات الخارجية للسيطرة على الثروات العربية وخاصة النفط منها ولا ينشد (الدوامة) رسم مشهد تاريخي لتلك المرحلة الحساسة وإنما هو حكاية سورية مفعمة بالحب والنضال السياسي يلتقط من خلالها تفاصيل الحياة الدمشقية وتركيبتها الاجتماعية والسياسية والثقافية التي أفرزت نتائجها واقعاً لا يزال قائماً. ويشارك في المسلسل نجوم سوريون ولبنانيون منهم: أيمن زيدان، منى واصف، سلوم حداد، نضال نجم، جلال شموط، حسن عويتي، باسل خياط، دارين حمزة، يوسف الخال، جهاد اندري، روجيه صقر وعدد من خريجي الدفعة الأخيرة للمعهد العالي للفنون المسرحية.
هذه كانت لمحة موجزة عن ثلاثة أعمال سورية تقترب من تخوم السياسة ستعرض على شاشات القنوات العربية في رمضان وهي من المسلسلات السورية التي تتناول مفاصل مهمة في تاريخ العرب الحديث وهي منتصف القرن العشرين الذي شهد أحداثاً عظاماً وجساماً وقفت وراء هزيمة ونكسة 1967 وأعتقد أن احتلال العراق وتدميره في 2003 كانا من نتائج وتداعيات هذه النكسة. 

 

 
 الوطن السورية